الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
الْمُعَامَلَةُ فِيهَا سُنَّةٌ، وَهِيَ أَنْ يَدْفَعَ الْمَرْءُ أَشْجَارَهُ أَيَّ شَجَرٍ كَانَ مِنْ نَخْلٍ، أَوْ عِنَبٍ، أَوْ تِينٍ، أَوْ يَاسَمِينٍ، أَوْ مَوْزٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، لاَ تُحَاشِ شَيْئًا مِمَّا يَقُومُ عَلَى سَاقٍ وَيُطْعَمُ سَنَةً بَعْدَ سَنَةٍ لِمَنْ يَحْفِرُهَا وَيُزَبِّلُهَا وَيَسْقِيهَا إنْ كَانَتْ مِمَّا يُسْقَى بِسَانِيَةٍ، أَوْ نَاعُورَةٍ، أَوْ سَاقِيَّةٍ، وَيُؤَبِّرُ النَّخْلَ، وَيُزْبِرُ الدَّوَالِيَ، وَيَحْرُثُ مَا احْتَاجَ إلَى حَرْثِهِ وَيَحْفَظُهُ حَتَّى يَتِمَّ وَيُجْمَعُ، أَوْ يَيْبَسُ إنْ كَانَ مِمَّا يَيْبَسُ، أَوْ يُخْرِجُ دُهْنَهُ إنْ كَانَ مِمَّا يُخْرَجُ دُهْنُهُ، أَوْ حَتَّى يَحِلَّ بَيْعُهُ إنْ كَانَ مِمَّا يُبَاعُ كَذَلِكَ، عَلَى سَهْمٍ مُسَمًّى مِنْ ذَلِكَ الثَّمَرِ، أَوْ مِمَّا تَحْمِلُهُ الْأُصُولُ كَنِصْفٍ أَوْ ثُلُثٍ، أَوْ رُبُعٍ، أَوْ أَكْثَرَ، أَوْ أَقَلَّ، كَمَا قلنا فِي " الْمُزَارَعَةِ " سَوَاءٌ سَوَاءٌ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: مَا ذَكَرْنَاهُ هُنَالِكَ مِنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِلنَّاسِ " أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَامَلَ يَهُودَ خَيْبَرَ عَلَى أَنَّنَا نُخْرِجُهُمْ إذَا شِئْنَا، فَمَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فَلْيَلْحَقْ بِهِ، فَإِنِّي مُخْرِجٌ يَهُودَ، فَأَخْرَجَهُمْ ". قال أبو محمد: وَبِهَذَا يَقُولُ جُمْهُورُ النَّاسِ، إِلاَّ أَنَّنَا رُوِّينَا عَنْ الْحَسَنِ، وَإِبْرَاهِيمَ كَرَاهَةَ ذَلِكَ وَلَمْ يُجِزْهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَلاَ زُفَرُ. وَأَجَازَهُ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَأَحْمَدُ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَغَيْرُهُمْ. وَأَجَازَهُ مَالِكٌ فِي كُلِّ شَجَرٍ قَائِمِ الأَصْلِ إِلاَّ فِيمَا يُخْلَفُ وَيُجْنَى مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى كَالْمَوْزِ، وَالْقَصَبِ، وَالْبُقُولِ، فَلَمْ يُجِزْ فِيهَا، وَلاَ أَجَازَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي الْبُقُولِ إِلاَّ فِي السَّقْيِ خَاصَّةً. وَلَمْ يُجِزْهُ الشَّافِعِيُّ فِي أَشْهَرِ قَوْلَيْهِ، إِلاَّ فِي النَّخْلِ، وَالْعِنَبِ فَقَطْ وَمِنْ أَصْحَابِ أَبِي سُلَيْمَانَ مَنْ لَمْ يُجِزْ ذَلِكَ، إِلاَّ فِي النَّخْلِ فَقَطْ. قال أبو محمد: مَنْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ إِلاَّ فِي النَّخْلِ وَحْدَهُ، أَوْ فِي النَّخْلِ وَالْعِنَبِ، أَوْ فِي بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ، أَوْ فِي سَقْيٍ دُونَ بَعْلٍ، فَقَدْ خَالَفَ الْحَدِيثَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ وَدَخَلُوا فِي الَّذِينَ أَنْكَرُوا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فَلاَ مَعْنَى لِقَوْلِهِمْ. وَاحْتَجَّ بَعْضُ الْمُقَلِّدِينَ لأََبِي حَنِيفَةَ بِأَنْ قَالُوا: لاَ تَجُوزُ الْإِجَارَةُ إِلاَّ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ. قال أبو محمد: لَيْسَتْ الْمُزَارَعَةُ، وَلاَ إعْطَاءُ الشَّجَرِ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا: إجَارَةٌ، وَالتَّسْمِيَةُ فِي الدِّينِ إنَّمَا هِيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَبِّهِ تَعَالَى قَالَ تَعَالَى: قال أبو محمد: وَهَذَا مِمَّا جَرَوْا فِيهِ عَلَى الْكَذِبِ وَالْبَهْتِ وَالتَّوَقُّحِ الْبَارِدِ: أَمَّا قَوْلُهُمْ: لاَ يَخْلُو أَهْلُ خَيْبَرَ مِنْ أَنْ يَكُونُوا عَبِيدًا، فَكَيْفَ انْطَلَقَتْ أَلْسِنَتُهُمْ بِهَذَا، وَهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِهَذَا الْحُكْمِ فَلاَ يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ أَهْلَ الْعَنْوَةِ أَحْرَارٌ، وَأَنَّهُ إنْ رَأَى الْإِمَامُ إرْقَاقَهُمْ فَلاَ بُدَّ فِيهِمْ مِنْ التَّخْمِيسِ، وَالْبَيْعِ لِقِسْمَةِ أَثْمَانِهِمْ. ثُمَّ كَيْفَ اسْتَجَازُوا أَنْ يَقُولُوا: لَعَلَّهُمْ كَانُوا عَبِيدًا وَقَدْ صَحَّ أَنَّ عُمَرَ أَجْلاَهُمْ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم عَنْ عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِخْرَاجِ الْيَهُودِ عَنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ فَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَجِيزَ عُمَرُ تَفْوِيتَ عَبِيدِ الْمُسْلِمِينَ، وَفِيهِمْ حَظٌّ لِلْيَتَامَى وَالأَرَامِلِ إنَّ مَنْ نَسَبَ هَذَا إلَى عُمَرَ لَضَالٌّ مُضِلٌّ، بَلْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ عليه السلام أَرَادَ إجْلاَءَهُمْ فَرَغِبُوا فِي إقْرَارِهِمْ فَأَقَرَّهُمْ عَلَى أَنْ يُخْرِجَهُمْ إذَا شَاءَ الْمُسْلِمُونَ، وَهُوَ عليه السلام لاَ يَجُوزُ أَنْ يُنْسَبَ إلَيْهِ تَضْيِيعُ رَقِيقِ الْمُسْلِمِينَ. وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونُوا عَبِيدًا لَهُ عليه السلام خَاصَّةً؛ لأََنَّهُ عليه السلام لَيْسَ لَهُ مِنْ الْمَغْنَمِ إِلاَّ خُمُسُ الْخُمُسِ وَسَهْمُهُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: وَالصَّفِيُّ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ: إنَّ جَمِيعَ مَنْ مَلَكَ عَنْوَةً عَبِيدٌ لَهُ عليه السلام. ثُمَّ لَوْ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مَا زَعَمُوا مِنْ الْبَاطِلِ وَكَانُوا لَهُ عَبِيدًا لَكَانَ قَدْ أَعْتَقَهُمْ بِلاَ شَكٍّ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، هُوَ ابْنُ مُعَاوِيَةَ الْجُعْفِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ هُوَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ خَتْنِ رَسُولِ اللَّهِ وَأَخِي أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ قَالَ: مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ مَوْتِهِ دِينَارًا، وَلاَ دِرْهَمًا، وَلاَ عَبْدًا، وَلاَ أَمَةً، وَلاَ شَيْئًا إِلاَّ بَغْلَتَهُ الْبَيْضَاءَ، وَسِلاَحَهُ، وَأَرْضًا جَعَلَهَا صَدَقَةً. وَقَدْ قَسَمَ عليه السلام مَنْ أُخِذَ عَنْوَةً بِخَيْبَرَ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا خَيْبَرَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ: قَالَ: فَأَصَبْنَاهَا عَنْوَةً، وَجَمَعَ السَّبْيَ فَجَاءَهُ دِحْيَةُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطِنِي جَارِيَةً مِنْ السَّبْيِ قَالَ: اذْهَبْ فَخُذْ جَارِيَةً، فَأَخَذَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيِّ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قال أبو محمد: وَكَانَتْ الأَرْضُ كُلُّهَا عَنْوَةً، وَصَالَحَ أَهْلَ بَعْضِ الْحُصُونِ عَلَى الأَمَانِ، فَنَزَلُوا ذِمَّةً أَحْرَارًا وَقَدْ صَحَّ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ قَوْلُهُ كَمَا قَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ.فَصَحَّ أَنَّ الْبَاقِينَ بِهَا أَحْرَارٌ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ ذَلِكَ الْمَأْخُوذَ مِنْهُمْ كَانَ مَكَانَ الْجِزْيَةِ، فَكَلاَمُ مَنْ لاَ يَتَّقِي اللَّهَ تَعَالَى، وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ النِّصْفُ مَكَانَ الْجِزْيَةِ وَإِنَّمَا كَانَ حُقُوقَ أَرْبَابِ الضِّيَاعِ الْمَقْسُومَةِ عَلَيْهِمْ الَّذِي عُومِلَ الْيَهُودُ عَلَى كِفَايَتِهِمْ الْعَمَلَ، وَاَلَّذِينَ خَطَبَهُمْ عُمَرُ كَمَا ذَكَرْنَا وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَلْحَقُوا بِأَمْوَالِهِمْ فَلْيَنْظُرُوا فِيهَا إذَا أَرَادَ إجْلاَءَ الْيَهُودِ عَنْهَا. وَالآثَارُ بِهَذَا مُتَوَاتِرَةٌ مُتَظَاهِرَةٌ كَالْمَالِ الَّذِي حَصَلَ لِعُمَرَ بِهَا فَجَعَلَهُ صَدَقَةً وَكَقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ فِي سَبَبِ إجْلاَءِ الْيَهُودِ: خَرَجْنَا إلَى خَيْبَرَ فَتَفَرَّقْنَا فِي أَمْوَالِنَا وَكَانَ إعْطَاءُ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضَ الأَرْضِ وَالْمَاءِ، وَبَعْضِهِنَّ الأَوْسَاقَ، وَأَنَّ بَقَايَا أَبْنَاءِ الْمُهَاجِرِينَ إلَيْهَا إلَى الْيَوْمِ عَلَى مَوَارِيثِهِمْ، فَظَهَرَ هَذَيَانُ هَؤُلاَءِ النَّوْكَى. وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ قَالُوا: لَوْ كَانَ إجْمَاعًا لَكَفَرَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَزُفَرُ. فَقُلْنَا: عُذْرًا بِجَهْلِهِمَا كَمَا يُعْذَرُ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَأَخْطَأَ فِيهِ وَبَدَّلَهُ وَزَادَ وَنَقَصَ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ عَلَى صَوَابٍ، وَأَمَّا مَنْ قَامَتْ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ وَتَمَادَى مُعَانِدًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ كَافِرٌ بِلاَ شَكٍّ. وَشَغَبَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ بِأَنْ قَالُوا: لَمَّا صَحَّتْ الْمُسَاقَاةُ فِي النَّخْلِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ أَيْضًا فِي الْعِنَبِ؛ لأََنَّ كِلَيْهِمَا فِيهِ الزَّكَاةُ، وَلاَ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي شَيْءٍ مِنْ الثِّمَارِ غَيْرَهُمَا. قال أبو محمد: وَهَذَا فَاسِدٌ وَقِيَاسٌ بَارِدٌ، وَيُقَالُ لَهُمْ: لَمَّا كَانَ ثَمَرُ النَّخْلِ ذَا نَوًى وَجَبَ أَنْ يُقَاسَ عَلَيْهِ كُلُّ ذِي نَوًى، أَوْ لَمَّا كَانَ ثَمَرُ النَّخْلِ حُلْوًا وَجَبَ أَنْ يُقَاسَ عَلَيْهِ كُلُّ حُلْوٍ، وَإِلَّا فَمَا الَّذِي جَعَلَ وُجُوبَ الزَّكَاةِ حُجَّةً فِي إعْطَائِهَا بِسَهْمٍ مِنْ ثِمَارِهَا وَقَالَ أَيْضًا: إنَّ ثَمَرَ النَّخْلِ ظَاهِرٌ يُحَاطُ بِهِ وَكَذَلِكَ الْعِنَبُ وَقَالَ عَلِيٌّ: وَكَذَلِكَ التِّينُ، وَالْفُسْتُقُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ. وَأَمَّا مَنْعُ الْمَالِكِيِّينَ مِنْ ذَلِكَ فِي الْمَوْزِ وَالْبَقْلِ فَدَعْوَى بِلاَ دَلِيلٍ. فَإِنْ قَالُوا: لَفْظُ " الْمُسَاقَاةِ " يَدُلُّ عَلَى السَّقْيِ. فَقُلْنَا: وَمَنْ سَمَّى هَذَا الْعَمَلَ " مُسَاقَاةً " حَتَّى تَجْعَلُوا هَذِهِ اللَّفْظَةَ حُجَّةً مَا عَلِمْنَاهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم، وَإِنَّمَا نَقُولُهَا مَعَكُمْ مُسَاعَدَةً فَقَطْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَدْ كَانَ بِخَيْبَرَ بِلاَ شَكٍّ بَقْلٌ وَكُلُّ مَا يَنْبُتُ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ مِنْ الرُّمَّانِ، وَالْمَوْزِ، وَالْقَصَبِ، وَالْبُقُولِ، فَعَامَلَهُمْ عليه السلام عَلَى نِصْفِ كُلِّ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ عَلَى صَاحِبِ الأَرْضِ فِي " الْمُزَارَعَةِ " " وَالْمُغَارَسَةِ " " وَالْمُعَامَلَةِ فِي ثِمَارِ الشَّجَرِ " لاَ أَجِيرٌ، وَلاَ عَبْدٌ، وَلاَ سَانِيَةٌ، وَلاَ قَادُوسٌ، وَلاَ حَبْلٌ، وَلاَ دَلْوٌ، وَلاَ عَمَلٌ، وَلاَ زِبْلٌ، وَلاَ شَيْءٌ أَصْلاً وَكُلُّ ذَلِكَ عَلَى الْعَامِلِ لِشَرْطِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُعْمِلُوهَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَوَجَبَ الْعَمَلُ كُلُّهُ عَلَى الْعَامِلِ، فَلَوْ تَطَوَّعَ صَاحِبُ الأَصْلِ بِكُلِّ ذَلِكَ أَوْ بِبَعْضِهِ فَهُوَ حَسَنٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:
وَكُلُّ مَا قُلْنَاهُ فِي " الْمُزَارَعَةِ " فَهُوَ كَذَلِكَ هَهُنَا لاَ تُحَاشِ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الْمَسَائِلِ، فَأَغْنَى عَنْ تَكْرَارِهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ فِي " الْمُزَارَعَةِ " وَإِعْطَاءِ الْأُصُولِ بِجُزْءٍ مُسَمًّى مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا مُشَاعٌ فِي جَمِيعِهَا عَلَى الْعَامِلِ: بِنَاءُ حَائِطٍ، وَلاَ سَدُّ ثُلْمَةٍ، وَلاَ حَفْرُ بِئْرٍ، وَلاَ تَنْقِيَتُهَا، وَلاَ حَفْرُ عَيْنٍ، وَلاَ تَنْقِيَتُهَا، وَلاَ حَفْرُ سَانِيَةٍ، وَلاَ تَنْقِيَتُهَا، وَلاَ حَفْرُ نَهْرٍ، وَلاَ تَنْقِيَتُهُ، وَلاَ عَمَلُ صِهْرِيجٍ، وَلاَ إصْلاَحُهُ، وَلاَ بِنَاءُ دَارٍ، وَلاَ إصْلاَحُهَا، وَلاَ بِنَاءُ بَيْتٍ، وَلاَ إصْلاَحُهُ، وَلاَ آلَةٌ سَانِيَةٌ، وَلاَ خَطَّارَةٌ، وَلاَ نَاعُورَةٌ؛ لأََنَّ كُلَّ ذَلِكَ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ فَإِنْ تَطَوَّعَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِغَيْرِ شَرْطٍ جَازَ؛ لأََنَّ السُّنَّةَ إنَّمَا وَرَدَتْ بِأَنَّ الشَّرْطَ عَلَيْهِمْ أَنَّ يَعْتَمِلُوهَا بِأَمْوَالِهِمْ، وَبِأَنْفُسِهِمْ فَقَطْ: وَكُلُّ هَذَا لَيْسَ مِنْ عَمَلِ الأَرْضِ، وَلاَ مِنْ عَمَلِ الشَّجَرِ فِي شَيْءٍ. وَأَمَّا آلَةُ الْحَرْثِ، وَالْحَفْرِ كُلُّهَا وَآلَةُ السَّقْيِ كُلُّهَا، وَآلَةُ التَّقْلِيمِ، وَآلَةُ التَّزْبِيلِ، وَالدَّوَابِّ، وَالْأُجَرَاءِ فَكُلُّ ذَلِكَ عَلَى الْعَامِلِ، وَلاَ بُدَّ؛ لأََنَّهُ لاَ يَكُونُ الْعَمَلُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِمْ إِلاَّ بِذَلِكَ، فَهُوَ عَلَيْهِمْ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. تَمَّ " كِتَابُ الْمُعَامَلَةِ فِي الثِّمَارِ " وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
|